صفوها أنتم بما شئتم .. فلا أعرف لها وصف محدد، أنا فقط أريد أن أعبر عن ذاتي.

٢٠٠٨-٠٥-٠٨

ديانة رئيس الدولة


من الإشكاليات المطروحة بقوة في الحوار السياسي المصري إشكالية ديانة رئيس الدولة ، البعض يرونه لا ينبغي إلا أن يكون مسلما ً لأننا – بحسب رأيهم – شعب ذي أغلبية مسلمة ، بينما يري آخرون – أنا معهم – أن ما يرونه – مع كل الإحترام لهم – لا مبرر له سوي دعمهم ، المٌعلَن أو الخفي ، لفكرة الدولة الدينية حتي و إن أعلنوا أنهم مع الدولة المدنية .
الدولة المدنية بمفهومهم ليست كالدولة المدنية بالمعني الصحيح لها ، ليست دولتهم المدنية في حقيقتها هي دولة المواطنين بل هي دولة الرعايا ، و شتان الفارق بين المواطنين و بين الرعايا ؛ فالأولون لهم كامل الحقوق السياسية و العامة يعاملون معاملة تليق بانسانيتهم فهم صناع واقعهم و إرادتهم علي عكس الرعايا الذين هم دائما ً في موقع المفعول به ، لا يتعاملون معاملة إنسانية كاملة فمعاملتهم تقوم علي انهم بشر أقل في الدرجة أو أقل في النوع ، و المقصود بالدرجة ( درجة الأهمية و الفاعلية في صنع الأحداث التي تهم المجتمع الذي يعشيون فيه سواء سياسية أو إقتصادية أو غيرها. إلخ..). و المقصود بالنوع ( الإختلاف سواء كان عرقيا ً أم لغويا ً أم دينيا ً ).و بإختصار فالدولة المدنية الحقة هي الدولة التي تعترف بأن سكانها مهما إختلفوا في الدين أو في العرق أو في اللغة هم قبل كل شئ بشر و أن أي إختلاف بينهم لا يجوز له أن ينتقص شيئا ً من إنسانية الإنسان . هذه هي أبسط شروط الدولة المدنية التي يتم التنكر لها ، أما القول بدولة مدنية مشروطة بحكم مسلم لها لأن الأغلبية مسلمة ، أو حكم مسيحي لها لأن الأغلبية مسيحية و هلم جرا فهذه دعاوي جائرة يتخبي وراءها شبح دولة خليفة أو بابا .
الإمام علي بن أبي طالب له قول جليل أحسب فيه رد شاف كاف لمن يجعلون الأفضلية بين الناس علي أساس الدين وحده ، فماذا يقول الإمام ؟
يقول : " الناس صنفان : أخ لك في الدين و شريك لك في الخَلق" .
أي : إخوة الدين لا تنفي صفة الخلق عند من لا يؤاخيك في الدين ، فهو لك فيه شريك ، لا ينقص عنك فيه قدم و لا يد و لا عقل ، و ما دام هو شريك لك في الخلق فأجدي به أن يكون لك شريك في الحياة و مشاركته لك في الحياة معناها المشاركة في حلوها و مرها ، خيرها و شرها ، ما يسري فيها عليك يسري عليه ، و ما يسري عليه يسري عليك ، ما تراه انت تجاه قضية أو هم عام لابد و انه يشاركك هو فيه ، لأنه شريك لك في الحياة ، و شريك لك في الخلق تماما ً . هذا المعني الذي صاغه الأمام علي هو نفس ما عبر عنه الرسول محمد في دستور المدينة الذي جعل فيه كل سكان المدينة مسلمهم و غير مسلمهم " أمة واحدة " متساوية الحقوق و الواجبات . و هذا المعني الذي صاغه الإمام في تقديري لو كان قد تمكن من حسم الصراع ضد معاوية لصالحه و تم ترسيخه في بناء الدولة الاسلامية الناشئة آنذاك لربحت البشرية كلها كثيرا و لأختصر كثير من الوقت حتي يستطيع فلاسفة أوربا في عصور الأنوار تأسيس هذا المبدأ و جعله من مبادئهم الأساسية التي تبلورت في " الحرية – الأخاء – المساواة " . قد يقول قائل هذه المبادئ موجودة في دين الإسلام . أقول نعم . و لكنها شوهت و أفرغت من مضامينها الحقيقية الصريحة . و السبب بكلمة جامعة سيطرة منظومة فكرية نقلية حِفظية غير نقدية علي تفكيرنا منذ عصر التدوين الإسلامي ( القرن الثاني الهجري ) حتي الزمن الحاضر .
هذه المنظومة الفكرية النقلية الجامدة هي التي تجعلنا نقع في أمثال هذا الجدل الذي من المفترض أن نمر عليه مرور الكرام متفكرين فيما هو أجدي منه و أنفع ، و لكن لماذا نقع في هذا الجدل العقيم و نبذل فيه من الوقت و الجهد الشئ الكثير ؟ و الجواب لأن المنطومة الفكرية التي تحكمنا في بذور تكوينها نشأ التعصب الذي ورثناه عنها ، التعصب الذي يزين لنا عيوبنا و يختلق لها المبررات و الأعذار و يخترع الحجج ، التعصب الذي خدعنا و صور لنا أننا المسلمون بعامة خير أمة أخرجت للناس ، خير أمة حتي بعصاتنا بزناتنا بمجرمينا بسفاحينا . هذه المنظومة هي التي أعطتنا هذا الوهم بالأفضلية و القداسة و السمو و بأننا أننا مسلمون فنحن الأعلون دائما ً حتي و نحن أمة تتداعي علينا الأمم كما تتداعي علي القصعة الكلاب .
إن الذين يقولون ان رئيس الدولة لابد و أن يكون مسلم لأننا أغلبية مسلمة لابد و أنهم أحد إثنين : إما متعصب ، و ذم الإسلام التعصب و حَمد التسامح فأدعوه الي التسامح ، و إما جاهل بتطورات الدنيا و أن لكل حكومة سلطات ثلاث : تنفيذية و تشريعية و قضائية . و أن الرئيس إما منصب شرفي و إما هو رئيس السلطة التنفيذية و أنه يحكم بمقتضي دستور و قوانين يضعها و يشرعها أو يوافق عليها برلمان يمثله ممثلون عن الشعب يمثلون تياراته الفكرية المتعددة و المتباينة . و أن الدولة لم تعد خاضعة لمشيئة حاكم فرد – اللهم إلا في بعض الديكتاتوريات – و أن الدولة الحديثة دولة مؤسسات . الدولة لم تعد في خدمة الحاكم بل الحاكم هو الذي في خدمتها .

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

موضوع يستحق المناقشة فهو جديد ؟
ولكن يا سيدى ألا تعرف أن الدستور يقول أن الدين الرسمى للدولة هو الإسلام
وأن الديانة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع , موضوع يحتاج للمناقشة .
تحياتى
شيرين هلال

صاحب الشطحات

صورتي
باحث عن الحقيقة،حقيقتي،وحقيقة كل شئ،متناقض،ربما،ناقد لكل ما حولي،أكيد،أتطلع للسمو لكني ملتصق بالأرض.



الشتم لغة العجزة