قالت صديقتي : أنت شخصية غريبة .
قلت : كيف ؟
قالت : شخصيتك تبدو خيالية .. إنها أشبه ما تكون بشخصيات الكارتون . إنك لا تعيش معنا في الواقع . أنت عائش في العالم الإفتراضي . رومنسيتك مـُفرطة . في زمن لا تـُجدي فيه الرومنسية ، و لا تنفع .تبحث بشغف عن الحب ، تجري ورائه ، حتي تقع علي وجهك ، و دائما ما تُصيبه الندبات و الجروح ، و لا زلت تـُصر ، و لا تتعب ، و لا تتعلم من أخطائك .
و قلت لها : ترين أن شخصيتي غريبة و خيالية و كرتونية و أعيش في العالم الإفتراضي و لا أمت للواقع بصلة لأني أبحث عن حق من حقوقي الأصيلة ، أن أجد نصفي الآخر الذي به تكتمل حقيقتي .. حقيقة وجودي .. كإنسان يعرف و يوقن و يدرك و يثق جيدا ً أهمية وجود النصف الآخر في حياة الرجل ؛ حيث تكون النفس مستقرة و هادئة و من ثم أكثر قدرة علي مواصلة تعب الحياة و تكون خـُطاه علي طريق الإبداع و التميز أيسر . فجملة وراء كل عظيم إمرأة ، لم تأت من فراغ .صحيح أن هناك نماذج أبدعت و نجحت و كانت المرأة في حياتهم سبب للشقاء لكن تظل هذه النماذج هي الاستثناء و ليس الأصل . و صحيح أن وجود المراة في حياة الرجل من الممكن أن يتخذ عدة أشكال : كالصديقة المتفهمة ، أو العشيقة المتدفقة عشقا ً ، أو العاهرة المتبجحة ، أو الزوجة . و الزوجة بلا شك هي أرقي و أطهر هذه التصنيفات بشرط أن تكون صديقة و عشيقة و عاعرة أحيانا ً و زيادة علي كل هذا أم حنونة .
إنني يا صديقتي .. لا أدعي أني غير مفرط في الخيال أحيانا ً ، و لا أدعي أيضا ً أني واقعي صرف .
إنني يا صديقتي إنسان يحمل بين جنبيه من المتناقضات و المتغيرات أكثر بكثير جدا ً مما يحمل من الثوابت و المُطلقات .أنا أكتسب إنسانيتي من جمعي بين المتناقضات و ليس من الإدعاء أني أمتلك الكمال و الرؤية الواضحة السديدة في كل قول أو فعل أو إحساس . إنني بشر أخطئ و أصيب . أحب و أكره . أسعد و أشقي . أبكي و أضحك . أتذكر و أنسي . يكون قلبي أحيان في رقة العصفور و أوقاتا ً أخري يكون كحجر صلب . و لولا هذه المتناقضات الموجودة في كل منا ما كان سعي الإنسان إلي الكمال غريزة طبيعية فيه ، و لا كانت للانسان دولة و لا فكر و لا ابداع و لا حضارة .
أنا لا أنكر أن الرومنسية و الخيال يشكلن جزء عظيم من شخصيتي ، لكن غير صحيح ما قررتيه أني مفصوم عن الواقع و أسرح في مجرات التخيلات و التمنيات . لا يا صديقتي أنا ، و لا تغضبي مني ، أكثر واقعية منك ِ ، و ممن قال قولك و وافقك عليه .
أتفق معك ِ أن قانون حياتنا الحاكم الآن هو : المادة . و أنها طغت و بغت علي كل مناحي الحياة ، و نــَصــَبـَت من نفسها حكما ً في كل شئ . حتي أصبحت هي الأصل و ما عاداها فرع ، هذا إذا لم تكن قد تعدت أيضا ً علي كل الفروع و وضعتها جانبا ً أو نسفتها لتغرد هي وحيدة سعيدة بلا منافس أو منازع أحيانا ً . أتفق معك ِ في هذا لكن : هل نحن طبقا ً لمـُعطيات المادة و قوانيينها كائنات ميكانيكية كالموتور نضع فيها القطن من الخلف فيخرج في كل مرة قماشا ً من الأمام ؟!أين مشاعرنا من هذه العملية . أإنتحرت أم ماتت أم قـُتلت عمدا ً أو كمدا ً ؟ و ماذا يكون الحال لو عشنا بلا مشاعر ؟ و بلا قيود أخلاقية . إن هذا إن حدث فحتي مصير هذه العملية الميكانيكية لن يكون غير التفكك و التحلل و العودة إلي مرحلة الفوضي و غـلبة سًلطان القوة لا روح الرحمة علي التفكير ، و من ثم فالقوة وحدها لا تكفي ، إذ لا تكون معتدلة دون رحمة و دون شفقة ، دون حد أدني من المشاعر .. و بكلمة واحدة : القوة وحدها لا تكفي في حياتنا دون وجود كفة أخري في ميزان الحياة هي كفة المشاعر الطيبة .. متمثلة في الحب .
قد تٌهمهمي الآن بين نفسك .. أنك تخدع نفسك بهذه الأفكار و أنك تثبت لي صحة قولي : أنك شخصية كرتونية خيالية لا تمت للواقع بِصِلة .
و أقول يا صديقتي : لكل إنسان في الحياة فلسفته .. و لكل فلسفة سلوك يحتذيه متبعها .. و لكل سلوك ثمن يدفعه . و فلسفتي هي أن أكون إنسان أعيش في الواقع و لا أرتضيه بل أعلو عليه ؛ لأن الواقع مـُكبل بالمشكلات التي تـُكبل حريتي و دونما أدري أجد نفسي إذا أنغمست فيه كـُلية قد وصلت لمرحلة الذوبان التام ؛ و من ثم فقد فرض الواقع علي إرادته و فقدت كدوري الأساسي كفاعل في الطبيعة و الواقع إلي مجرد مفعول به . و علوي عليه يكون بتفكيري الخيالي الشاطح ، و قد أرتضي في سبيل هذا أن يكون تفكيري مرة موافقا ً لجزء من الواقع حتي أصل في النهاية إلي فرد إرادتي و حتي تنتصر فلسفتي . أنني أدخل معركتي و أعرف مسبقا ً أن الحروب ليس فيها نصر دائم و لا إنهزام دائم أيضا ً و أنه نادرا ً ما يفرض أحد الفريقين إرادته الكاملة علي الآخر .. و لكن الذي يحدث أن النتائج غالبا ً ما تكون توفيقية بين الطرفين . و لكن أليس إذا أكون قد وصلت لهذا المرحلة أكون قد نجحت في هدف مهم من أهدافي : و هو تغييير الواقع .. و فرضت جزء من إراداتي علي الأحداث .
أنا يا صديقتي : أسكن في الواقع و لكنه لا يسكنني . و هذا فارق مهم بيني و بينك . أن أريد أن أسيطر عليه و اتملكه و لا أجعله هو يسيطر علي و يتملكني . أنا بإختصار أريد أن أكون في هذا الحياة : فاعلا ً و ليس مفعول به .
و بثقة قائد عسكري واثق من نصره : سأنتصر أنا و فلسفتي .. لأننا الأوفق لطبيعة الإنسان المزدوجة ، و ليست فلسفتك أحادية الجانب .