صفوها أنتم بما شئتم .. فلا أعرف لها وصف محدد، أنا فقط أريد أن أعبر عن ذاتي.

٢٠٠٨-٠٨-٢٦

يرما ، فيدريكو غارسيا لوركا


مسرحية تراجيدية لـ فيدريكو غارسيا لوركـا ، الشاعر الأسباني و أحد أعلام الشعر الحديث في مختلف اللغات. و هي أحد ثلاث مسرحيات في الثلاثية التي تضم : عٌرس الدم – أول تراجيديا له ، و يرما التي صدرت في 1934، و منزل برنارد ألبا .

و تحكي المسرحية قصة " يرما " زوجة وفية تحن إلي مولود من زوجها " خوان " الذي يكبرها سنا ً ، و خوان لم يكن إختيارها هي بل إختيار أهلها لها ، و رضت يرما بإختيار أهلها و لم تعترض عليه ؛ إذ عزت نفسها بأن الغرض من الزواج هو الأبناء لهذا كان كل طموحها هو أن تـٌرزق بطفل يملأ قلبها بهجة و يُعطي لحياتها معني ً، لكن خوان لا يهتم بهذا و هو ما يحول حياتهما إلي نكد و تعاسة ، و تظل آملة في أن تتغير الأحوال و ترزق طفلا ً ، و هي طوال المسرحية سواء في حوارها مع صديقتها " ماريا " أو مع الأمهات أو حتي مع الزوجة العاقرة ، تراها أم أكثر منهن أمومة .

نعم؛ كان ما يؤرقها رغبتها في أن تكون أم لكن ليس إلا عن طريق زوجها خوان فهي تحترمه هو و شرفه و عائلته و تحترم أهلها و عائلتها رغم أنها لا تخفي إعجابها بفيكتور و الذي يظهر أنه يبادلها الإعجاب ، و إن كان هو مثلها ثمة ما يمنعه من البوح بهذا لها فهو خجول و متزن و يحترم زوجها و إعجابها به- في رأيي – ليس إلا مجرد محاولة منها لتعزية نفسها و للشعور بأنوثتها التي أيضا ً لا يأبه " خوان " لها .

و تؤكد يرما علي إحترامها للتقاليد و لزوجها في حوارها مع الساحرة الوثنية التي عرضت عليها الهرب من زوجها و التزوج من إبنها الذي سيمنحها الطفل الذي تريد، لكنها ترفض فتنسحب العجوز ، و تتفاجئ يرما أن خوان سمع الحوار كله و يدور بينهما حوار يصارحها فيه أنه لا يريدها إلا زوجة فقط و لا يحب أن يكون له منها طفل و عند هنا تفقد السيطرة علي أعصابها و تَمٌد يدها حول عنقه حتي تأتي عليه و هي تصيح : " لقد قتلت طفلي أنا " .


و قد لفت إعجابي عدة جمل فيها من الحكمة و الجمال الشئ الكثير ، و هأنا أوردها هنا : -
§ خوان : إن الرجال يجب أن يزدادوا نحولا ً لكي يزدادوا قوة .
§ يرما : إن في عروق أي إمرأة من الدم ما يجب عليها أن تمنحه لأربعة أطفال أو خمسة علي الأقل فإذا لم تنجب تحول ذلك الدم إلي سموم .
§ العجوز الوثنية : ما أطول عمر أشجار التين، و ما أطول عمر المنازل ، بينما نحن النساء الشياطين ، نتحول إلي تراب من أجل لا شئ !
§ إحدي الغسالات : كلما إزداد بريق المنزل، كلما إزدادت شدة إحتراقه من الداخل .
§ إحدي الغسالات : ليس الحديث خطيئة .
§ خوان : الغنم في الحظيرة، و النساء في المنازل .
§ يرما : في كل مرة تتوهج رغبتي و يقل أملي .
§ إحدي عجوزتين : ليس هناك في العالم من قوة تضارع قوة الرغبة .
§ يرما : أفضل بكثير أن أبكي من أجل إنسان حي يطعنني بخنجر من أن أبكي من أجل هذا الشيخ الجاثم فوق صدري علي مر السنين.
§ يرما : العقل يريد شيئا ً ، و يريد الجسد شيئا ً آخر لتحل بالجسد اللعنة فهو لا يستجيب لنا أبدا ً، لقد كـٌتب علينا ذلك ، ليس هناك من جدوي في أن أقاوم القدر بذراع واحد.
§ العجوز الوثنية : في حالة الظمأ يسعد المرء لوجود الماء .
§ يرما : ما دام المرء محتفظا ً بالحقيقة في داخله فإنها لا تظهر أبدا ً. و لكن كم تتضخم الحقيقة و تصرخ عندما تخرج معلنة عن نفسها.


و هذه بعض الأشعار التي أعجبتني جدا ً : -

-1-

أقول : خذ ، خذ ما تريد
يا طفلي القادم من بعيد
فأنت قد تكسرني حين تجئ
و أنت قد تمزقني حين تجئ
لكن آلام بطني الخاوي
أول مهد ٍ لك يا حبيبي
أشد قسوة علي حين لا تجئ
فأكسر ضلوعي ، و تعال
مزق فؤادي ، و تعال
متي تجئ يا حبيبي البعيد ؟

-2-

أقول : لو كان زوجك
لديه بذرة خصبك
ألقي بها في ثوبك
إذن لغني ماؤك
فرحا ً ، و أورق عشبك .

-3-

أي حقل موحش قفر طويل
أي باب مغلق دون الجمال
فأنا حين أرجي اليوم طفلا ً
فكأني أسأل الريح المحال
فكأني أسأل الريح زهيره
من ضياء القمر الغافي الجميل
فوق صدري لصق جسمي جدولان
ملئا دفء حليب و حنان
و هما الآن إذا هزا شجيرات الألم
في فؤادي و ضلوعي قفزتان
لحصان
آه يا ثديي تحت الثوب ناما
إنتما طيران لم ينهض جناح
بكما، طيران من غير عيون
أعميان .
آه يا قسوة أحزان دم الصدر السجين
الزنابير تحط الشوك في أعماق فكري
فلنجئ يا حبي الحلو الجميل
مثلما يمنح ماء البحر ملحه
مثلما تمنحنا الأرض الثمر
خٌلقت أرحامنا كي تحمل الأطفال كي تحلو بهم
مثلما يحلو سحاب بالمطر

٢٠٠٨-٠٨-٢١

وداعا ً ايتها الرومنسية



أن توصف بأنك رومنسي فهذا عيب في حقك كبير ، و تلميح بأن شخصيتك ضعيفة و مهزوزة و إذا تـٌمودي في وصفك بالرومنسية فقيل مثلا ً رومنسي كبير أو رمنسي عظيم أو زعيم الرومنسيين فلا تفرح فالمقصود من هذا أنك أكثر ضعفا ً و أشد إهتزازا ً ، و أذكرك يا عزيزي الرومنسي أنه غالبا ً أو دائما ً يُضيفون إلي الرومنسية الأحلام فتكون دائما ً و أبدا ً الرومنسي الحالم و لا تفرق ساعتها أن تكون رومنسيا ً حالما ً أو حالما ً رومنسيا ً ففي كلتا الحالتين أنت بعيد عن الواقع أو إن شئت الدقة أكثر فأنت عنه معزول أو منعزل فلا فارق بين أن يكون إنعزالك أو عزلتك بإرادتك أو غصبا ً عنك فالمهم أنك لست مع الجماعة ، جماعة الناس ، و يد الله مع الجماعة ، و يد الله فوق أياديهم ، و لا مكان أليق بمارق مثلك غير العزلة أو الإنعزال ؛ فمثلك خطر أو شر أو لا فائدة منه تٌرتجي إختر منها ما شئت ففي كل الأحوال أنت منبوذ مطرود مشلوح مقلوع من أرضك أو منها مقتلع ، إختر ما شاء لك من التعابير ؛ فالمهم أن طريقك معهم قد أصبح مسدود مسدود مسدود يا ولدي.
أنت تكون رومنسيا ً فأنت ك" الغريب في بلاد غريبة ,, كأنك عار علي هذه الأرض ، كأنك نبت شيطانئ ، إن كان للشيطان نبت ، ما فائدة أن تأتي للدنيا بقلب حالم و عقل برفض الواقعية الجافة التي تقتل في الإنسان إنسانيته ، و في الجمال جماله ، و في الأشياء نبل معانيها . لا ترد و لا تقل " ولدنا لنعترض" علام تعترض ؟! أما علمت أن الإعتراض كفر أو خداع ، كفر بتقاليد الناس و أعرافهم و ثوابتهم فلماذا تعترض . لماذا تريد أن تكون في عداء معهم و مع مصالحهم و مع راحة بالهم و عقولهم لماذا لا تسايرهم لماذا إذا كنت ببلد تعبد العِجل فلا تَحِش مثلهم و تديله . لماذا أنت ضد الثبات و الاستقرار ؟ لماذا تريد الفوضي ؟ تـٌراك فوضوي ؟ مالك تهوي لعبة العبث بالاشياء. يا عبثي يا مارق؟.أما علمت أن الإعتراض كفر بالإله . قل أنك ترفض فكرة أن الخير منه و الشر منه ، أو انك ترفض فكرة أن الخير منه و الشر منا ، أو قل أنك ترفض أن تكون ليده يد في حياتنا و أفعالنا أو تبجح و إنكره أصلا ً . أتَري إلام أوصلتك هذه الرومنسية اللعينة الملعونة الكافرة العاهرة . و هل لا يأتي العٌهر إلا من الذين جحدت نفوسهم و عقولهم كل المتفق عليه و الثابت أنه حسن و صواب و خير .هل لا يحدث العُهر إلا حين يمرق صاحبه من تقاليد منبته الأصيلة . خٌلقت لتعترض علي ماذا قل لي أستوضحك الجواب يا أيها المٌحتج ؟
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا أو علينا ، و لا تقنط من رحمة ربك فلا يقنط منها إلا القوم الظالمون ، و قل رب ظلمت نفسي و أستغفره أنه كان توابا ً .
عٌد إلي ربك عٌد إلي عقلك إلي رشدك و إنضم إلي الجماعة أم تري نفسك يا مغرور تعرف أكثر من كل الناس فكلهم علي خطأ و ضلال و أنت علي حق و هداية . أخصك الله بعلم لدٌني أأنت إمام شيعي معصوم أم صوفي كٌشف له من الأسرار ما لم يٌكشف لأحد قبله ، أفيك من قَبس الله نور و فينا من عمي الشيطان حلاك ؟!
· و ما أنا يا جالدي و محاكمي و مكفري و مسفهي إلا رجلا ً قال : الحق ما أعرف و ما أري لا ما أُعرفه أو أٌريه . أنا لي كيان و لي وجود ، لي عقل و لي نظر و لي قلب هو الدليل ، و هو المرشد إن كَثر المدلون و المرشدون و إختلطت السٌبل . أنا الذي يبحث عن خلاصه فلا أجد بينكم إلا حريص علي دنياه كأنه بارئها و ما حرص بارئها كحرصه عليها فعنده لا تساوي جناح بعوضة ، و عندهم لا شئ إلا و له ثمن . أنا الذي أنشئ الطريق و أمهده ، أنا منشئه و ماهده ، و لا أطلب منكم أن تتبعوني فيه و أن تٌعمروه كما تطلبون مني ، و ليس صحيح أن كثرة الطرق مفسدة بل هي دليل العَمار و الحضارة .
أنا الذي يٌدعونه إنسان من النسي كنت و في نسيان ما فات تكون معركتي لأبحث عن وجودي ، أبحث عن ذاتي الضائعة في مفترق الطرقات ، فمن يعرف ذاتي أكثر من ذاتي ، و كيف يعرف ذاتي غير ذاتي و ذاته تبحث عن نفسها ؟!
أنا الذي يدعونه كائن و من الكون و الكن كنت و لكن كيف أكون دون أن أكون كينونتي و كوني ؟!
و الكون متسع و لا محدود و لا نهائي فكيف يكون كوني قد وصل منتهاه و هل لغير المٌنتهِي نهاية ؟!
فكيف أنشغل بكوني اللانهائي و احدد لغيري كونه و كيف أطلب من غيري أن يحدد لي كوني و هو منشغل بكونه و كيف يتجرأ أحد و يٌعين من نفسه وصيا ً علي تحديد و تشكيل كوني أو كون غيري أليس من رد عليه أبلغ من إجر بعيد عني ، عنا ، و إنشغل بهمك و دعنا في همومنا ؛ فالكون و الكينونة همنا الأزلي في الحياة بل أن وجودنا في الحياة مٌلخصه : الهم في أن نكون نحن نحن . أي أن أكون أنا أنا و أنت و أنت و هو هو و هي هي و هم هم . أن يكون كل منا متفردا ً منفردا ً فردانيا ً نسخة اولي و اخيرة و ليس نسخ كثيرة واحدة النص و التركيب . كلا و ألف كلا . ما لأجل هذا وجدنا و لا لأجله ولدنا ، و إنما وجدنا لأجل التفرد و من التضاد بين الأشياء و الإختلاف بينها توجد الرغبة في التكامل في التعاون في التعاضد " و جعلنكم شعوبا ً و قبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم " .
أما ما يحصل الان من نظرة مادية و تفكير مادي شديد النفعية و شديد الإنتهازية و الإنتهازية سواء في السياسة أو الإقتصاد أو الدين فهو خطر عظيم خاصة عند إتحاد الثلاثة معا ً في خطاب واحد يقوم كل واحد فيه بدور المخدماتي للآخر فيفسد الدين السياسية و يفسد الاقتصاد الدين و السياسة و تفسد السياسة الجميع .
و الناس لا يستطيعون الإبتعاد عن نتيجة هذا الذي يحدث فهو لا شك يؤثر عليم و هم لا شك به يتأثرون و إلا فما تفسير أن تجد إجتماع الناس مستقر إذا حٌجم دور الديني و السياسي و الاقتصادي دون أن يلعب أي منهم دور المخدماتي علي الآخر في تحالف الشر المذكور آنفا ً ، و لا تجده كذلك إذا عزف ثلاثتهم سمفونية الخطر الأكبر . لا تقل لي يا من تُصيح من بعيد بصوتك الحنجوري الجهوري الغليظ أو المتغالظ أن الدين نظام كامل شامل متكامل فيه الدين و السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و .. و... و .... . ما قولك إلا حق أريد و يراد به باطل . فمنذ متي أتي الدين ليكون أو ليٌكَون مٌلكا ً ؟! . إن مملكة الرب ليست علي الأرض بل هي هناك في السماء ؛ فمملكة الرب عدلها أكيد مطلق لا يمكن أن يطوله أحد بغش أو تلاعب أو حيلة كما يٌمكن أن يحدث هنا علي الأرض ، وأرجوك .. أرجوك لا تنكر ما أقوله فهو الحق يا عزيزي ألم تُصادف بحياتك أبدا ً ، سمعا ً أو معايشة ً مظلوما ً هٌضم حقه لبراعة محام الخصم في الالتفاف علي القوانين ، أما سمعت أو عَايشت أو قرأت أو رأيت فيلما ً يخرج فيه تاجر السموم البيضاء أو تاجر الأسلحة أو سياسي كبير أو إبن سياسي من قضية تورطه فيها ثابت و قاطع و مع ذلك يخرج منها كما الشعر من العجين يخرج أففي مملكة الرب يمكن أن يحدث هذا ، أفيها مثلا ً لا تهمة علي صاحب عَبارات الموت التي قتلت الآلآف . إن كنت ترتضي هذا لمملكة الرب أفتظن انك ترضيه و تتقرب إليه بدعواك أنه يقبل في مملكته ظٌلما ً كهذا الظلٌلم ، و قهرا ً كهذا القهر ؟! و أعود لأؤكد لك يا عزيزي لم يرسل لنا الرب الدين ليٌنشئ مملكته علي الأرض و إلا فقل لي لماذا من كل الانبياء و المرسلين ليس إلا داود و سليمان ملوكا ً ، ملوكا ً بكل معاني كلمة الملك ، عاصمة و جيوش و عرش ، ألا تري أن سليمان حين سأل ربه مٌلكا ً لا ينبغي لأحد من بعده ، لم يأت نبي أو رسول قط كان له مٌلك أو عرش حتي محمد لم يكن ملك و ما كان له أن يكون ملك . ستسأل و تتعجب و ربما تتهمني بالخرف أو بغيره و تقول : وشبه جزيرة العرب كيف لد دانت بأسرها و ما تفسيرك لمكاتباته لملوك و امراء العرب و العجم . و اقول لك : ترفق بي و بنفسك يا حبيبي فأنا عندي رأيي ما كان محمدا ً ملك بل كان فاتح . إصبر و لا تسارع في إساءة الظنون بي و لا تتهمن بالتلاعب بالألفاظ و تمعن لو كان يجوز التسوية بين الملك و الفاتح فهل يكون أبومسلم الخراساني الفاتح ملك ، و أبا مٌسلم هذا كان نهايته لأنه أراد ان يخرج عن دور الفاتح الذي حُدد له و منازعة الخليفة المٌلك فهذا نموذج لفاتح فقط . اما محمد الفاتح و هولاكو فهذين فاتحين و ملكين أيضا َ لأنه كانت لهما عروش و جيوش و تنظيم داخلي كامل للدولة ، و اما الملوك فقط فهم الكثرة الكثيرة و الغلبة الغالبة . و نعود فنلخص ما سبق في انه إذن عندنا فاتحون فقط و عندنا فاتحون ملوك و عندنا ملوك فقط ، و محمد كان فاتحا ً فقط لأنه اولا ً لم يكن له عرش و ثانيا ً لأن الدولة التي أنشأها ، مجازا نقول دولة ، لم يكن بها تنظيمات داخلية حقيقية كالمتعارف عليها حتي في وقتها بين الدول المجاورة أو الملاصقة لها ، صحيح أنه كان هناك له مبعوثون و سفراء و متحدثون باسمه في بلاطاتهم لكنه لم يخرج عند مجرد المحاكاة لهم ، و هذا ما لا عيب فيه و لا انتقاص فيه من قدر محمد كشخصية تاريخية و دينية كبيرة و عظيمة . كان كل كلامنا السابق لأجل الرد علي الجهوري الحنجوي الذي قال إن الإسلام نظام كامل شامل متكامل في السياسة و الاقتصاد و .. و ... و .. إلخ .هو فقط وضع القواعد الكلية و وضع القواعد ليس معناه وضع النظام بل القواعد هي التي تهيئ او تساعد علي ان نضع نحن النظام الذي نجده أفضل لنا و أيسر في تعاملاتنا و حياتنا لتسهيلها و تيسيرها . ألو قلنا ان الإسلام مثلا ً قال في السياسة من ضمن قواعده الكلية و امرهم شوري بينهم و إذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل . أن هذا فتحا ً إسلاميا ً و كشفا ً لم يٌكتشف قبل ظهور الإسلام . لو قلنا هذا نكن مخطئين بل مغالطين بل منكرين لحقائق التاريخ التي تقول لنا بوضوح أنه حتي ما قبل حضارة اليونان التي تشتهر بالديموقراطية الأثنية كان يتم في بلاد الرافدين إختيار كهنة المعابد بإختيار الناس اولا ً ثم مع التطور صار من بين الكهنة انفسهم ، و هكذا . و لو قلنا أن إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل هو أيضا ً إختراعا ً إسلاميا ً نكن علي نفس الدرجة من الجهل او الجرم في حق التاريخ الذي قال لنا أن المصريين القدماء قالوا بالماعت ، بالعدالة و شددوا عليها و درسوها في مدارسهم و تناقلوها في حكمهم و ادبهم . لكن الحق الواجب علينا قوله أن الإسلام أكد علي قيم إنسانية نبيلة و دعمها ؛ و بهذا يكون المعني ترك أمر الناس للناس مع الدعم الالهي ( العناية الالهية ) المتمثل هنا في التأكيد علي صحة هذا المبدأ الإنساني الذي هو من صميم إرادة الله لخلقه ، إنني أستغرب من الذين يتصورون الله قد خلقنا بكتالوج دون أدني مساحة لنا بإبداع حياتنا علي مستوي أفكارنا الكبيرة أو العادية و إلا فما دور الإنسان إذن ؟ و ما فائدة وجوده إن كان يعجز عن ان يصنع بنفسه حياته و قيمه و أفكاره . إن فكرة الكتالوج مريحة جدا ً للمتواكلين الكُسالي، مرهقة جدا ً و غير مقبولة لمن يرون الحياة تحدي . تحدي لذواتهم . لأنفسهم لأجل أن يرتقي الإنسان بفكره و إنسانيته فوق مستوي تفكيره و فكره و إدراكه العادي أو الثابت للأمور . تحدي لأن يصل إلي أعلي ما يمكنه الوصول إليه في التفكير و إستكشاف العلاقات بين الأشياء ، و الأسرار التي تحتويها الأشياء ، و الأشياء التي في الأشياء . لماذا هذا ؟ لأن علة وجوده تؤرقه و لا جواب لها إلا في الأشياء الأخري المحيطة به ، أيا ً كانت هذه الأشياء ، جمادات او حيوانات أو أفكار أو ..أو ..إلخ ففيها و عن طريقها و بها يستكشف معاني جديدة لوجوده و يصل لحقائق جديدة يصل بها و عن طريقها إلي مراحل أكثر تقدما ً في أن يكون و أن يٌـكَون كونه الذي هو فردانيته التي هي خصوصيته و تفرده و التي تجعل له بصمته المميزة و شهادته المميزة و المتميزة و المتمايزة عن غيره من بني جنسه حين يودع هذا الكون . شهادته علي عصره و علي نفسه و علي موقفه من عصره و هو كله ما ينتقل كتراث للأجيال اللاحقة له و قد لا يكون فائدة لكل هذا غيررغبته في ان يُخلد نفسه حتي لو مات و تحلل جسده لكأنما الإنسان ، أي إنسان يفزعه أن يكون نسيا ً منسيا .
* و ما علاقة كل هذه المواضيع التي طرحتها بالرومنسية ، إنك تُسَفسط يا رجل؟
إذن قل لي يا سائلي : علي أي معني فهمت كلمة الرومنسية ؟
المعني المتداول الشائع علي إنها الحب و العشق و الهيام و الغرام بين المحبين و العاشقين و الهائمات و الهائمين ؟!
لو هذا فقط ما فهمته من الكلمة فإنك لم تفهمني قط .
و مع هذا فإنني لو وافقتك الرأي في أن مفهومي للكلمة بوسعه و إتساعه و شموله يشمل معناك هذا الضيق الشائع المتداول السطحي ؛ فهو أيضا ً به عشق و به هوي ً و به جوي ً و به إحتراق و به ثلجا ً يتساقط رطبا ً علي الروح و سلاما ً . إن تختزل الرومنسية التي أعنيها في كلمة الحب فأنا معك و لن أختلف معك ؛ فغاية وجودنا الحب ، و غاية ما نعمل نشر الحب بيننا ، فبه وحده نكون قد إنتصرنا علي أنفسنا و شرورنا و خطايانا . المعني لن نختلف عليه بل هو صحيح ، حقا ً صحيح ، فعلا ً صحيح فأنا أحب الحق و الخير و الجمال ، و هي قيم جميلة طاهر نقية يفتقدها هذا العالم البائس المٌحزن المٌخزي لكل الآملين في حياة سَوية كأنها الصراط المستقيم لا حيدة فيها ، يٌمنة أو يٌسرة ، و لا إهتزاز ، و لا تنائي أو تجافي عن الحق و الخير و الجمال .
الحق : أن لا يأخذ أحد إلا ما يستحقه لا اكثر و لا أقل مما يستحقه . ان يأخذه في الوقت الذي يستحقه ، بالطريقة و الكيفية الملائمة و المناسبة و الكريمة دون تعطيل أو تأخير دون تحججج أو إعتذار ، أن يكون كل واحد في نفسه حقا ً و أن يكون الضمير نُصب الأعين شاخصا ً أبدا ً لا يغيب فيكون هو حكمنا و فيصلنا ، لا بل يكون صديقنا المقرب القريب .
و الخير : بأن ينظر كل إلي نفسه و في نفسه يصلح ما بها من عيوب و لا يٌعين من نفسه قاضيا ً و جلاد علي غيره فينغص حياة غيره بأن يٌلقي بنظره و فمه و انفه لديهم فلا هو يريح و لا يستريح . الخير أبدا ً في مراعاة الغير و الشر أبدا ً في حَشر النفس لدي الغير .
و الجمال : أن نكون أحرار متسامحين آمنين .
و أسمع من بعيد أصوات و همز و لمز أن هذا جنون و مستحيل و هذه يوتوبيا لا يمكن أن تتحقق علي الأرض . و هذا فعلا ً صحيح و لكن أليس لكل منا مثل أعلي فلماذا لا يكون مثالنا الأعلي هو مجتمع الفضيلة و الحرية حتي نقترب قدر المستطاع منه .
و يا ليتني ما قلت هذا فالأصوات تتعالي و تتصايح : جنون . جنون و النظرات الشرسة تحدق بي و تصوب سهامها المسمومة نحوي تريد تفتك بي و القضاة و الحكام يريديون محاكمتي و هذه سالومي ترقص رقصتها المثيرة . و السياف يعزل رأسي عن جسدي و لساني يهرب من رأسي المقطوع كانما يكيد قاتلي أن كلامي ليس خرف و ليس جنون بل هو الحقيقة التي تخشونها و منها تهربون . و يٌلقي اللسان عليهم قوله الأخير :
سأستغفر لكم ربي .
21/8/2008

صاحب الشطحات

صورتي
باحث عن الحقيقة،حقيقتي،وحقيقة كل شئ،متناقض،ربما،ناقد لكل ما حولي،أكيد،أتطلع للسمو لكني ملتصق بالأرض.



الشتم لغة العجزة