بعد تفكير طويل توصلت إلي الحقيقة المرة ، التي أعرف أنها ستصدم كثيرين ، لكن لا مفر من الإفصاح عنها و الإعتراف بها لإن الحق و العدل و الإنصاف يقتضي الإعتراف بضرورة أن يكون جمال مبارك رئيسا ً قادما ً لمصر خلفا ً لوالده .
ليس سبب تحيزي لجمال هو صغر سنه و لا الفكر الجديد الذي يدعي هو و أنصاره و مؤيدوه أنه زرعه في أعمدة الحزب الذي كاد يوشك علي الإحتضار . و ليس سبب تحيزي أنه يملك من الخبرات و القدرات السياسية ما يمتاز به عن منافسيه . و ليس السبب بطبيعة الحال أني ألمس فيه عدلا ً كعدل الخلفاء الراشدين . و إنما تحيزي له من منطلق الدور الهام الذي سيلعبه في تاريخ مصر دون أن يثصد هو ذلك ، في حال وصل لسدة الحكم .
و لا يمكن تخيل أهمية هذا الدور الذي سيلعبه في تاريخنا دون الإجابة عن سؤالين إفتراضيين . الأول : ماذا لو كان والده قد خسر مقعده الرئاسي في الإنتخابات الرئاسية السابقة و أبعدت عائلة الرئيس مبارك عن دائرة السياسة و الحكم ؟ و السؤال الثاني : ماذا لو وصل إلي الحكم بعد مبارك شخصا ً غير جمال ؟
و الإجابة عن السؤالين السابقين هي إجابة واحدة . إنه ما كان يمكن أن يتغير شئ بمجرد تغير الأشخاص حتي لو كانوا من خارج الأسرة المباركية ، فالوعي الشعبي حينها كان سيئول – في حالة السؤال الأول – أو سيئول – في حالة السؤال الثاني – إلي مزيد من التبلد و الجمود و الثبات و الاستسلام للواقع المزري الذي نعيشه في ظل حكم هذه الأسرة بصفة خاصة و هذا النظام بصفة عامة .
إن نجاح مبارك الأب في الإنتخابات السابقة كان خيرا ً كبيرا ً بعيدا ً عن آراء الساخطين و المتشائمين . كان خيرا ً لأن كثير من الناس أيقنوا بإستحالة ديمقراطية الديكتاتورية . بإستحالة تحول الظالم عادلا ً , و المخرب بانيا ً هكذا دفعة واحدة . و كان الخير هنا في أن قدم هو نفسه و نظامه للشعب أفضل دليل علي أنهم يتاجرون به فتترجم هذا إلي حالة سخط تُرجمت إلي ظهور ثقافة الاعتصامات و الإضرابات و هي كلها بشائر لصحوة . بشائر لعصر جديد مختلف و أكثر إيجابية . و لكي نصل لهذا التطور فلابد أن يكون جمال رئيسا ً حتي تنفصم أخر عٌري هذا النظام و حتي يكون البديل له أكثر صدقا ً في التوجه إلي الشعب و حتي يكون الشعب أكثر دراية بحقوقه و لإدراكه لقوته التي تغافل سنوات كثيرة عن إدراكها و تقديرها .
أريد جمال رئيسا لأن من يقرأ التاريخ يعرف أنه كان هناك ملوك و حكام و رؤساء هم حلقة الوصل بين عصرين مختلفين سواء بين عصر أسود إلي عصر أكثر سوادا أو إلي عصر أكثر بياضا ً . و اعتقد أننا سننتقل إلي عصر أكثر بياضا ً بعد عهد جمال مبارك و إن كان الأمر لن يخلو من بعض الفوضي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق