صفوها أنتم بما شئتم .. فلا أعرف لها وصف محدد، أنا فقط أريد أن أعبر عن ذاتي.

٢٠٠٧-٠٨-١٤

الهلالي الذي تاه


تابعت خلال شهر رمضان مسلسل " سكة الهلالي " و هو أحد الأعمال المتميزة هذا العام . العمل يٌلقي بظلاله علي الواقع المصري توصيفا ً و نقدا ً منبها ً أننا بالفعل نعيش في أزمة أخلاقية , و أننا في غمار هذه الأزمة , نحن إلي كل ما هو أخلاقي , و نلتف حوله , حتي لو أكتفينا بهذا فقط , دون أن نحاول أن نُصلح من أنفسنا , و هو التساؤل الذي يظل عالقا ً بذهنك حتي أخر الحلقات , لنجد الجواب في أن الفضيلة الحقة ليست حكرا ً علي أحد دون آخر ,و ليست مجرد كلمات مثالية , و إنما الفضيلة الحقة تظهر عند الشدائد , حين يكون الإنسان في موضع إختبار و إختيار بين ما هو خير و شر , و هو ما كشف عنه تنازل البطل لوهلة من الزمن عن مبادئه كان من الممكن أن تدوم لولا أن ضميره أستيقظ سريعا ً , و هنا تتأكد الرسالة التي يريد إيصالها لنا الكاتب و هي أننا نصنع آلهة حول من نلتف حولهم مبهورين بما يقدموه أو ينصحوه لنا , لأننا غفلنا عن أنفسنا , و أنه لا آلهة توجد بيننا و إنما بشر , كل ما يفرقهم عنا , هو الضمير , الضمير الحي اليقظ فقط . البطل في هذا العمل هو د. مصطفي الهلالي أستاذ الأدب العربي , و رئيس حزب الفضيلة , و مقدم برنامج الطريق الوحيد , الذي يلتف حوله الكثيرين , معجبين و مبهورين بشخصية الرجل الذي أخذ يدعو للفضيلة حتي صار عنوانا ً لها . تظل حياة البطل مستقرة و سعيدة حتي تُلح عليه أسرته و حزبه , علي خوض الإنتخابات البرلمانية , و بصعوبة شديدة يوافق الرجل , و يقرر خوض المعركة الإنتخابية , قانعا ً بسلاح وحيد , هو الكلمة الطيبة و الرغبة الصادقة في خدمة الناس فيرفض إستخدام الالآعيب الإنتخابية التي يلجأ إليها غيره من المرشحين .عند هنا يبدأ إصطدام الرجل الحقيقي بالواقع , و تبدأ أفكاره في التغير تدريجيا ً , و بالتالي بدأ خروجه بخطوات حثيثة من عزلته من شرنقته الفكرية إلي عالم المادية البحتة , حيث لا قيمة لفكره الذي أفني فيه عمره علي أرض الواقع . فتبدأ الدسائس له , واحدة تلو الأخري , فيٌتهم بالتزوير , ثم بالشروع في القتل , لكنه يخرج من التهمتين , أقوي مما كان , و يجد نفسه هنا في صراع نفسي , داخلي – خارجي , هل يستمر في خوض الإنتخابات أم لا , لقد لاقي الكثير منها , و صُدم أكثر من مرة , في أناس تخيلهم مخلصين له .ذاته تريد العودة إلي مثاليته الجميلة , و عالمه الهادئ السعيد , و خارجه يناديه لتكملة المشوار , حتي لا يخذل الناس الملتفين حوله علي الأقل . هنا كان بطلنا في مفترق طرق , و في مفترق الطرق , لا بد من قرار , و أتخذ القرار , سيستمر في المنافسة حفاظا ً علي ذاته و ثأرا ُ لها , و إرضاءا ً للناس الذين يحبوه . لكن قبل مشارفة الإنتخابات علي النهاية , و قبل إعلان النتائج , يحدث تحول آخر في حياته , هو في حقيقته كان الضربة القاصمة له , التي ستعزله عزلا مؤقت عن مثاليته , فقد خسر زوجته و أبناؤه , و لم يجد نفسه غير وحيدا ً , ليس معه سوي إبنة من خطيئة , تذكره بالنقط السوداء في ثوبه الذي كان يظنه تام البياض . و في المجلس النيابي , يقدم الرجل استجوابات قوية لخدمة الناس , إذ لا مبرر درامي أو نفسي الآن لأن يتحول التحول التام إلي الشخصية المستغلة إذ ما زال فيه بقية من خير و مسؤولية , لكنه يخضع للمساومات , و يخضع أمامها مع استمرار محنته الذاتية الجديدة , احساسه بالوحدة و الضياع , و أنه كان يحفر في البحر , زاد من محنته هذه حفل خطوبة ابنته في عدم حضوره, لشخص يراه سيئا ً . هنا يتحول الهلالي إلي شخص آخر تماما ً , يستمتع بالإنتقام من خصومه , و لنفسه , و بدلا ً من أن يستغل كرسيه تحت القبة لخدمة الناس , أصبح يطوعه لأغراضه الشخصية و الإنتقام من خصومه , و بالفعل ينجح في سجنهم جميعا ً . و بلغ الهلالي أقصي إستعلاؤه و إستغلاله لموقعه , في تنازله عن الملف الهام الذي أتي به صحفي شاب يري في الهلالي مثله الأعلي , يفضح قضية فساد كبري ( تهريب المليارات للخارج ) و انه يتعرض للتهديد بالقتل بسببه , ورغم هذا يبيع الهلالي الملف بدكتوراه فخرية و مليون دولار في بنوك سويسرا . هنا تجئ للهلالي صدمة أخري , ستكون هي السبب في وخز الضمير الذي سيتعرض له , ابنته غير الشرعية , تكشف له عن حقيقته التي كان يتخفي خلفها , و أن الفضيلة ليست مجرد كلمات جوفاء تقال , بل هي أفعال تُنفذ , و انه لم يكن أبدا ً رجل فضيلة كما توهم الكثيرون , و توهم هو نفسه , لأنه باع كل مبادئه عند أول إختبار حقيقي . كان مشهد موت الصحفي , جدير بأن يكون هو النهاية الواقعية للمسلسل , ففيه يتجسد الواقع بكل حقيقته المرة , و هو تعبير صادق علي أن الوحيد الذي يدفع ثمن أخطاء و نزوات و أطماع الكبار هي الأجيال الجديدة . إنهم بهذا يقضون علي مستقبلنا .هنا كل التجسيد للواقع قد بلغ ذروته . لكن المؤلف , أراد أن يقول لنا , أنه رغم هذا , فإنه ليس نهاية العالم أن يخطئ إنسان , و أنه لا يزال أمام كل مخطئ فرصة ذهبية للعودة للحق مرة أخري , الهلالي رجعت له نفسه الحقيقية مرة أخري بكل ما فيها من طيبة و جمال , و قرر أن يدفع الثمن , فطالب في المجلس برفع الحصانة عن نفسه , و إتهام نفسه بالقتل و الإختلاس و إستغلال النفوذ . هنا , عندما رجع إلي طبيعته , عادت له, فرحته , و أحبائه رغم سجنه خمس سنوات مشددة . لقد وجد نفسه بعدما تاهت منه , و وجد نفسه بعد أن كان مُعلما ً للناس قد تعلم هو منهم , أبلغ درس , أن الفضيلة حية بداخلنا , إذا ما قررنا نحن ذلك , و جعلناها سلوكا ً لنا في الواقع الذي نحياه , و ليست مجرد كلمات جميلة . إن الهلالي هنا , تاه , حين وجد نفسه بين عالمين , مختلفين , عالم المثالية المطلقة , و عالم المادية البحتة , لكنه أخيرا ً أستطاع أن يكتشف عالما ً جديدا ً يطبع عليه بصمته , عالم الحياة السهلة دون تعقيدات التي تحتمل كل الألوان و ليس الأبيض أو الأسود فقط , شرط أن يسعي الإنسان أن يكون إنسانا ً مع نفسه و مع الآخرين . دور الرمزية في المسلسل : لعبت الرمزية في هذا العمل دورا ً كبيرا ً , بل هي العماد الذي قام عليه , رمزية في أسماء الأماكن و الأشخاص أما رمزية الأماكن , فنجد أنفسنا أمام , كفر أصالة , حزب الفضيلة , حزب الوحدة , منزل الهلالي القديم , القصر . 1- كفر أصالة : و يرمز هنا إلي الأرض الطيبة , التي يحيا عليها الناس الطيبون السذج , ذوي الأحلام البسيطة , التي يستغلها السياسيون و رجال الأعمال لمكاسبهم الشخصية و حسب فنجد أن الخدمات الأساسية في الكفر غير متوفرة , و أحوال الناس المعيشية , في الحضيض . 2- حزب الفضيلة : و هو الرمز هنا لكل ما هو خير , لكن الحقيقة المرة التي تنكشف فيما بعد , أن ظاهره كان الخير و الحب فقط , بينما كان ينعم مثله مثل أي مكان بالمؤامرات و الدسائس , حتي لا ينفك أن يعدو فيما بعد لا يملك من الفضيلة سوي عنوانها فقط . 3- حزب الوحدة : و هو النقيض المباشر لحزب الفضيلة , و هو ممثل المادية الجامحة , و هو تعبير أوضح عن أن الفساد وحدة واحدة لا إنفصام بينها . فيضم بين صفوفه المزورين , و منحطي الأخلاق , و مدعي العلم , و المتاجرين بأحلام الناس , فهو هنا الحية الرقطاء التي تلتف حول الجميع , لا تبغي إلا مصلحتها فقط . 4- منزل الهلالي : و هو المكان الذي شهد أجمل أيام حياته , الذي لم يتحمله الهلالي حينما خرج من شخصيته المثالية , و هو نفسه المكان الوحيد الذي قرر العودة اليه . 5- القصر : رمز لوحدة الهلالي و عزلته , الداخلية و الخارجية رفم كل ما حازه من نفوذ , قصر كبير و أنيق لكنه بلا حب و لا دفء و لا أمان . أما عن رمزية الشخصيات فنجد : 1- مصطفي الهلالي : الهلالي هو إسقاط علي كل بطل يجاهد من أجل نشر قيمه , فهو بطل هنا , لا لإنه وقف ضد الباطل و استعاد نفسه و حسب , و لكن لانه يريد أن يكون هذا هو النموذج الذي يُحتذي , أن يجد كل منا نفسه , يتصالح و يتصارح معها .و من ناحية أخري فالهلالي هو رمز لكل مثقف معزول عن الواقع , بل هو رمز لأزمة المثقفين الذين سيستهم مصالحهم فبعدوا عن دورهم الحقيقي و انعزلوا عن الواقع 2- عطية الساعاتي : هو رمز لرجل الأعمال الراسمالي الذي يُعطي كل شئ بحساب , و لهدف , فيفعل الخير لا من أجل فعل الخير , لكن لأنه سيعود عليه بالنفع . 3- رضوان الكومي : هو رمز لكل شخص مستغل , يريد أن يستفيد من كل الأطراف حتي لو علي حساب نفسه و كرامته . 4- لطفي : هو رمز للشباب و كل باحث عن الحقيقة , و رمز للأمل . و كان مشهد قتله , هو قتل حقيقي لكل الرموز السابق ذكرها . 5- نانسي / خالد : نموذجان لشابان ضائعين , تغيرت حياتهما حين وجدوا من يُفهمهم أن الإنسان رسالة , و فعل و ليس رد فعل .. هما تنبيه هام علي أن الإنسان بطبعه خير و صالح إذا وجد من يرشده لهذا الطريق الخير . و كما كانت الرمزية موجودة أيضا ً داخل العمل .. فإن عنوان العمل نفسه هو قمة الرمزية و هي التلخيص الأوفي لما يريد المسلسل أن يقوله ف( سكة الهلالي ) , سكة كل بطل حقيقي أن ينتصر للقيم الجميلة و الهادفة حتي لو دفع الثمن غاليا ً . هذا هو البطل الحقيقي و ليس البطل الورقي المصنوع .

ليست هناك تعليقات:

صاحب الشطحات

صورتي
باحث عن الحقيقة،حقيقتي،وحقيقة كل شئ،متناقض،ربما،ناقد لكل ما حولي،أكيد،أتطلع للسمو لكني ملتصق بالأرض.


المخزن


الشتم لغة العجزة