صفوها أنتم بما شئتم .. فلا أعرف لها وصف محدد، أنا فقط أريد أن أعبر عن ذاتي.

٢٠٠٧-٠٨-١٤

انتحار امرأة




وصلتني رسالة علي بريدي الالكتروني من سيدة في زهرة عمرها تقول فيها : ] السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .أنا أبلغ من العمر خمسة و عشرين عاما ً .. تزوجت منذ أربعة أعوام تقريبا ًمن زوج لا أحبه فرضته أمي عليٌ . هو مصري يكبرني بعشرة أعوام يعمل منذ مدة طويلة بأحدي البلاد العربية . أمي ببكائها و مرضها طلبت مني أن أتزوج منه و وافقت . و يا ريتني ما وافقت .حاولت مقاومة عيشتي معاه لأنه لا يعاملني معاملة جيدة و طالبت بالطلاق لكني لم أجد غير التصبير و التذكير بأني أعيش في مستوي محدش يقدر يعيش فيه و أني مهما كان أحسن من غيري . الآن أشعر بإحساس غريب لا أعرف له سبب . أحس بأني بقيت باردة و مش فارقة معايا أي حاجة و مش عارفة ليه بحس كدة بس اللي عارفاه كويس اني بقيت فعلا ً كدة ......[

الرسالة وصلت عن طريق مجموعة بريدية . المرأة تطلب توصفا ً للحالة الغريبة التي بدأت تعتريها و كان الغريب أنها لم تطلب – علي العادة – حلا ً لمشكلتها . تستجدي من المئات التي أرسلت لهم الرسالة مجرد توصيفا ً لحالة ] البرود [ التي أصابتها فجأة .

قصة هذه المرأة ليست بالجديدة فهي متكررة بشكل أصبحت معه شئ طبيعي و عادي خاصة في مجتمعنا الذي يتعامل مع المراة علي أنها نصف في كل شئ . نصف عقل و نصف كيان ..إلخ و أحيانا ً كثيرة يتعامل معها علي أنها ما هي إلا سلعة أو ديكور – أي من الكماليات التي لا تنفع إلا في لحظات الشهوة و الحظ و الفرفشة .

هذه المرأة بكل المقاييس – هي و ملايين غيرها – ضحية لمجتمع وصل إلي الحضيض في كل شئ . مجتمع أصبحت تحكمه المادة وحدها . مجتمع المظاهر و الشكليات لا الجوهر و المضمون . مجتمع سيده و تاج رأسه النفط و أموال النفط و رجال النفط و ثروات النفط .

الأم لا نستطيع أن نتهمها بالظلم . فهي كأم تريد في المقام الأول سعادة ابنتها . و رأت الأم علي طريقتها الخاصة أن سعادة إبنتها ستكون مع هذا النفطي الذي سيرتفع بإبنتها إلي مستوي أميرات العرب . شقة فاخرة و مصروف يد كبير تستطيع معه الإبنة تأمين مستقبلها . و ارتداء أرقي الملابس و أفخمها و إستعمال أغلي العطور . الأم رأت هكذا تكون سعادة ابنتها ، و عن طريق هذا النفطي ستختصر الإبنة مسافات كبيرة لو تزوجت ممن تحبه لو كان بسيط الحال و علي الأغلب كان احتمال فشله في الوصول لهذا المستوي البراق شبه أكيد .

الزوجة الشابة صاحبة الشكوي لم تحتمل نفسها البسيطة هذه الخدع النفطية و أرادت فيما يبدو النكوص إلي حياة البساطة حيث السعادة الحقيقية وجدتها و حيث تأمل أن تجدها لكن وقفت العائلة أمامها تصبرها و تنهاها عن اتخاذ قرار كهذا و أن عليها الإحتمال و إعطاؤه فرصة أو فرص أخري . و يبدو من المدي الزمني لعلاقة الزواج بينهما أربعة أعوام أن هذه الفرص كثرت بشكل جعلها تصل – وسط حالة تصبير الأهل و تأميلهم لها – في حياة أفضل معه عسي أن يراجع هو نفسه أو تُكيف هي نفسها تبع هواه – جعلها تصل إلي حالة الإقرار بالأمر الواقع و التسليم التام له فلم تعد العملية تشكل فارقا ً معها فهي أصبحت تعرف من خبراتها المسبقة أن شكواها سيرد عليها بأن ] .. و بشر الصابرين ..[ و أن الصبر مفتاح الفرج . الفرج الذي يبدو أنه لا يأتيها أبدا ً و لن يأتيها . و ستئول حياتها إلي الشكل التقليدي أسرة وأبناء و مشاكل زوجية ينتج عنها أولاد معقدون يضيفون إل مشاكلها مشاكل أخري .

ان حالة البرود التي أعترتها و لا تعرف لها سببا ً هي مؤشر نكد و ليس خير كما سيقول المبرراتية و انها اليوم بحالة البرود هذه قد ] كمل عقلها [ . لا و مليون لا . من يقول هذا لا يدرك حجم التشوهات النفسية التي تعيش فيها هذه المسكنية المرغمة علي أمرها . التي لا تجد من يحس همها . التي لا تزيدها شكواها غير حسرة و ألم و صدمة فيمن تشكو إليهم .

إن حالة البرود التي تشكو منها و ما يستتبعه من سلوك يخدع البعض أنها تعيش حياة مستقرة و سعيدة و راضية لا يمكن تشبيهها إلا بأنها كمحيط هادئ من مظهره و سطحه لكن أعماقه تخفي براكين و زلازل و صراعات دائمة .

إن حالة البرود التي تحكي عنها ليست إلا نوعا ً من الوهم و القتل البطئ . إنه الإنتحار ذاته و عينه و نفسه .
و نوع جديد مستحدث من ] الوأد [ الذاتي لكيان إسمه المرأة .

السؤال الآن : كم مليون إمرأة عربية تعيش نفس المأساة ؟ كم مليون إمرأة عربية كصاحبتنا ضحية مجتمع ظالم و ظروف صعبة و تقاليد غبية ننسبها ظلما ً و عدوانا ً و جورا ً إلي الدين ؟

و ختاما ً .. فإنه لا يسعني غير أن أقول .. حسبي الله .

12/8/2007


نشر بمجلة شبابيك http://shbabik.net







ليست هناك تعليقات:

صاحب الشطحات

صورتي
باحث عن الحقيقة،حقيقتي،وحقيقة كل شئ،متناقض،ربما،ناقد لكل ما حولي،أكيد،أتطلع للسمو لكني ملتصق بالأرض.


المخزن


الشتم لغة العجزة