صفوها أنتم بما شئتم .. فلا أعرف لها وصف محدد، أنا فقط أريد أن أعبر عن ذاتي.

٢٠٠٧-٠٨-١٥

عبدة - قصة قصيرة


-1-" أنا للبيع , فلتشتر ِ يا سيدي , سأكون لك عبدة "لم أتمالك منع نفسي من الاستغراب و الاندهاش من هذه الجملة و كاد عقلي أن يطير لولا " نوبة الثبات " التي امتلكتني وقتها , و لا أعلم كيف أتاني هذا الثبات في وقت ٍ أنا فيه بلا اتزان نفسي أو إدراكي أو حركي , فأنا فاقد لحبيبتي , التي انتظرت وصولها منذ عامين , و لما أتت لا أعلم لها عنوان .-2-التقتني وكعادتها مكتئبة حزينة , لم يكن ثمة جديد سوي العيون الحائرة و الدموع الحبيسة , و الصوت الذي يكاد تختفي ملامحه و الذي يشبه في هدوئه و حزنه و اضطرابه حفيف الأشجار ." لقد فقدت نفسي و أهلي , و حبي , و احترامي ,وكل شئ . أنا مسخ حقير , بلا قيمة , إني سافلة , و وضيعة , و رخيصة "" ما بك ِ ..؟!!!ما كل هذا اليأس , و الإحباط , و الكره للذات , و للحياة ؟!! "" نعم , لقد كرهت حياتي التعسة , القذرة , أتمني أن أموت , يعذبني صبح كل يوم أن تردد الروح إلي ٌ , أتمني لو أنام نوما ً أبديا ً .. بدلا ً من حياة كهذه , بلا أمل ٍ أو أمان أو حب " .-3-لا أصعب من أن تجد أمامك إنسان ينهار , و الأكثر قسوة أن تراه يحتقر نفسه ,و مستعد لأن يعذبها و يــُضيعها .. هكذا هي صديقتي الحساسة جدا ً..حاولت أن أخفف عنها أحزانها ..صدتني و عجلت : " لا تحاول إني ( قانطة من الرحمة ) "- و لكن لا يقنط من رحمة الله إلا الظالمون ..- " و لكني بشر , تحملت كثيرا ً , و لكل طاقة احتمال ..أنا منذ ولدت يا صديقي , و لم أذق السعادة , شجار دائم بين والدي أنتهي بانفصالهما .. لتنفرد أمي بتعذيبي بعصبيتها ومزاجها المتقلب , و ينفرد أخي بقمعي الدائم , و الحجر علي ذوقي و اختياراتي و أفكاري ... لم أكتشف طيبة والدي إلا قبيل وفاته بمدة .. كم والدي طيب و حنون و حساس .. علي عكس ما كانت تصفه لنا والدتي .مات أبي , صديقي و حبيبي وفيلسوفي و معلمي .. بينما كنت أتوجه إليه لأعلنه بزميلي الذي يريد الارتباط بي ,و الذي يشبهه كثيرا ً في طيبته و حنانه و عطفه وأدبه الجم و رومانسيته المبهرة و اتساع أفكاره و ولعه بالقراءة و الأهم حبه لي الذي يحسدني عليه الكافة , و الفرحة تكاد تطير بعقلي .. لا بل طار بالفعل من الفرحة.. و كنت كفراشة .. تـُحلق في علين السماء منتشية , لا تري في الكون سوي ألوان مبهجة و لا تسمع سوي موسيقي سعيدة ..وصلت إلي مسكنه .. وجدت علي أول الطريق سرادق .. ظننت أن الذي مات جدتي المسنة هرولت علي المنزل لأواسيه , وجدت جدتي تجلس وسط جمع من النساء ملتفات في دائرة سوداء , لا زلت أذكر شكلها , و كيف أنساها و هي تشبه أقداري السوداء التي تحاصرني .اندفعت إلي حجرته .. اقتحمها ..الشيخ يتلو عليه الشهادتين ..و حول سريره أعمامي ..انهرت ,,,احتضنني عمي بدفء .. و قال " يرحمه الله كان يريد أن يراك ِ , ولما غبت ِ عنه أخذ يقبل صورتك و يحتضنها " .-4-مات أبي , و ما زالت صورته أمامي دائما ً , و صورة أمي و أعمامي , يتنازعون – في أسبوع وفاته – تركته .. وكأنه " كلب و راح " ..هل حين أموت سيتذكروني بالخير ؟!! أم سيسرعون باقتسام تركتي ..مات الوفاء يوم مات أبي , ومعه مات الأمان .-5-- أحترم يا صديقتي أحزانك , لكنك لست ِ الوحيدة التي فقدت أباها أو الوحيدة التي نشأت في أسرة غير مستقرة , أشعر أن في الأمر شئ خفي ...- اضطربت معالم وجهها و شردت لدقائق .. أكلمها و لا ترد ... كأن علي رأسها الطير!!- هل تكرهين أمك ..؟- " نعم أكرهها " ردت بعنف و هي تصرخ . " هي السبب الأول في تـُعسي و شقائي , هي التي أماتت أبي كمدا ً , لم ترحمه وهي تعلم كيف كان يعشقها , أتصدق .. لم يتزوج بعدها طيلة عشرين عاما ً .. ظل وفيا ً لها عشرين عاما ً .. كنت أزوره أجده جالسا ً أما صورتها الكبيرة يتأملها تأمل الصوفي في ملكوت الله .. هه .. لم تكن أمي تستحقه بأنانيتها و ماديتها و سطحيتها العاطفية .-6-" أرهقتني بأسئلتك , ألا ترغب أن تشتري .. استعبدني أرجوك أن تستعبدني ..."- كفي .. انك تثيرين .. جنوني ..و أنا لا أحتمل أكثر .. ثم أن خطيبك أولي بك أن تكلميه و أن تشتكي له و تعرضي نفسك عليه ..- ضحكت باستهزاء و لا مبالاة .. خطيبي, ههههه. تركته- لماذا ؟!- أنتي غريبة , أليس فيه ميزات والدك ..؟- و لكنه ليس أبي , لا أريد إلا أبي فقط .. تصمت هنيهة و تـُكمل .. و هي حائرة النظرات كمن يسترجع شيئا ً من أعماق الفكر " أخاف يأتي يوم , تجده ابنتي يتأمل صورتي تأمل الصوفي .."- أنتي متشائمة .. انك لست أمك ؟- و لكني أنثي .. كأي أنثي .. لا أريد في الحب عبدا ً بل سيدا ً..- لا عبودية في الحب .. بل لا عبودية من الأساس .. نحن لسنا في العصور الوسطي ؟- تضحك باستهزاء .. فارد بعنف.. " انتهت "- تضحك أعلي .. وتضرب كفا ُ بكف.. " أنت ساذج .. و واهم .. أيها المثقف و السياسي و الثائر دائما ً .. ألسنا عبيد في بلدنا للرئيس .. وزبانيته.. أليس كل فرد منا يخضع للأقوي حبا ً أو كرها ً .. فلم تستبعد هذا عن الحب ...- نصيحتي إليك .. نصيحة امرأة ..لا تريد من الحياة سوي انتظار الموت " لا تضعف أمام امرأة تحبها , مهما كانت تحبك , لأنها ستنبذك "- بالحق قل لي " هل كلمتك حبيبتك ؟!!!- لا- إذن لا تسأل فيها .. لقد باعتك لأنك تحبها ...-7-- و ما ذنبه خطيبك أن تعاقبيه بذنب أمك ...؟- ذنبه أنه كأبي ساذج – يحبني كثيرا ً – ويعتبرني كمنحوتة , يحافظ علي مشاعري جدا ً و يريد إرضائي بشتي السبل , يعتبر جسدي مقدسا ,, تحملق في وجهي بدهشة .. تصور.. لم يحاول لمسه قط..- انه يحبك بنبل حقا ً ..- المرأة لا تعترف بالحب الحسي النبيل ..- لكنه ليس حب إذن ..- سمه ما شئت , لكنها الحقيقة ..-8-أزعجني كلامها بشدة إن ما تقوله في مواضع كثيرة يكاد يتطابق مع الواقع , بل هو الواقع أحيانا ً بكل حذافيره , و تساءلت .. هل أفكاري اليوتوبية والخيالية .. تصلح لهذا الزمان ,, الذي سيطرت عليه الماديات ..لا شك أن أصدق الكلام أحزنه .-9-" أتشتري ..!!- أنا لا أشتري حرية أحد , لن أكون سعيدا ً ..؟- سأكون أنا سعيدة- أنت ِ لست ِ سلعة و لن استغلك ..؟- كلنا سلع .. و صدقني سأكون أسعد إنسان لانك أنت الشاري ..- لماذا تحتقرين نفسك ..؟- نفسي و أين نفسي .. أعرض عليك عرضا ً .. لقد أتعبتني , و لهذا أصر عليك ..اسمع .. خذ جمالي و اعطني حنانك ..؟- كيف ..؟- كما شئت , كلي لك ...اعتبرني ثوابا ً ستكسبه ..- و حبيبتي ؟!!!- انسها كما نستك ,أو احتفظ بها , هي حبيبتك و أنا عبدتك أنا أرضي بذلك- خلص يا محمد- العبدة لا تقول يا محمد- معك حق " يا سيدي "" انتهت "-

ليست هناك تعليقات:

صاحب الشطحات

صورتي
باحث عن الحقيقة،حقيقتي،وحقيقة كل شئ،متناقض،ربما،ناقد لكل ما حولي،أكيد،أتطلع للسمو لكني ملتصق بالأرض.


المخزن


الشتم لغة العجزة