صفوها أنتم بما شئتم .. فلا أعرف لها وصف محدد، أنا فقط أريد أن أعبر عن ذاتي.

٢٠٠٧-٠٨-١٤

ثلاثة تجارب و لسة








أكرر دائما ً أن أصدق لحظات الإنسان هي تلك التي يسترجع فيها تجارب الماضي – بسيطا ً كان أم بعيدا ً – و يتعرض لها بالنقد و التحليل بغية تقييم نفسه ليطورها للأفضل دائما ً .

و التجربة محيطة بالإنسان لا تفارقه أبدا ً فهي ملتصقة به كأنها توأمه الذي يحيي معه في محيط حيوي واحد لا إنفصام له و لا إنقسام .

تتعدد تجاربنا بحيث لا نستطيع لها عدا ً و لا حصرا ً ، فعلي مدار اليوم الواحد نمر بخبرات كثيرة تختلف في شدتها و في نوعها و في جوهرها . و قليل منها الذي يؤثر فينا ، لا مجرد تأثيرا ً انفعاليا ً وقتيا ً كأن نحب أو نكره ، بل أقصد بالتأثير النضج الذي يتم علي مستوي الادراك فيحول صاحبه من حال عادي إلي حال متميز يجعله في حالة تفاعل دائم معه- الانسان-لاستفزاز مكنونات نفسه و تحديها بما يصل به إلي مناطق جديدة علي خريطة حياته الممتدة تجعله يشق طريقه المتمايز عن طرق الآخرين .

و لي تجارب ثلاث في التعليم ، و في اللقاء بأوربية مصادفة ، و في إقتحام مجال السياسة ، أراهم قد أثروا في حياتي ، و سيؤثرون في القادم منها ، ذلك أنهم كانوا علامات فارقة أعتز بهم جدا ً.

التجربة الأولي – التعليم – كان دخول مُعلمة الكيمياء في الصف الأول الثانوي إلي حصة التاريخ حاملة أوراق تصحيح التقييم الشهري و مناداتها علي إسمي وسط زهوي لاعتقادي أني اُخترت لأمثل المدرسة في مسابقة أوائل الطلبة حادثا ً فارقا ُ في حياتي حين فوجئت أنها توبخني علي عبقريتي المجرمة لأحصل علي نصف درجة علي عشرة .. قررت لحظتها تطليق كل العلوم الطبيعية بالثلاثة و الإلتجاء إلي الدراسة الأدبية ، و لم يثنني عن هذا الموقف إعترافها أن خطئا ً قد وقع و أنه كانت تقصد زميلي الذي يشبه اسمه الرباعي اسمي الرباعي . فكانت دراستي في المرحلة الجامعية للتاريخ ، و هو الإختيار الذي لم و لن أندم عليه أبدا ً طيلة حياتي ، رغم عدم إحتياج سوق العمل لشهادة من هذا النوع ، و سر هذا أني أعتقد أن دراستي له قد أكسبتني عمقا ً في شخصيتي أعتز به . و في المرحلة الجامعية وضعت يدي علي مآس ٍ كثيرة أخطرها أنه تعليم تلقيني سلطوي يقمع الشخصية المبتكرة – بكسر الكاف - و يقتل روح الإبتكار و الفردية . و كان داخلي صراع وقتها أأكتب ما يمليه عليه الدكتور نصيا ً و حرفيا كأني ببغاء أم أكتب ما أقتنع به و إن عارض هواه . و حسمت ترددي و دفعت الثمن بتقدير لا أستحقه نتيجة تمسكي بحقي في الكتابة كما أري . نعم خسرت حقي في التقدير المرتفع لكني حافظت علي الاستقلالية الفردية التي حاولوا نزعها مني .

التجربة الثانية – لقائي بأوربية مصادفة تعمل الآن في مجال حقوق الإنسان – كان اللقاء كما يحلو لي أن أسميه لقاء الصدمة الحضارية أو الفجوة المعرفية بين الشرق المتزمت الأرعن و بين الغرب المنفتح الذكي . كانت بسيطة جدا ً و متواضعة و مثقفة مهمومة بقضايانا أكثر منا . وقت لقائي بها كانت انتفاضة الأقصي في فلسطين و قد مُلئت منابر الإعلام العربي بالخطباء و المتحمسين و المتحدثين اللبقين البارعين ، و قد شُحذت همم الشعوب العربية و الإسلامية لسب الصهاينة الملاعين أحفاد القردة و الخنازير . ما الدرس العملي الذي أعطتني إياه ؟ بكل بساطة أظهرت لي علي جوالها البسيط – و هذا درس آخر بعيد عن ثقافة الاستهلاك الفشخري السائدة بيننا – رسالة تُرسل تندد بالعدوان الصهيوني و تدعوا لاجبار المنظمات الاوربية السياسية المعنية علي أخذ موقف حاسم تجاه ما يحدث و تنتهي الرسالة الموجزة المعبرة بطلب أن يتم إرسالها لعشرة أفراد علي الأقل . هكذا تكون العملية في التفكير .. دون تكلف خطابي مبهرج أو حلول خرافية إتكالية .

حقيقة لقد غيرت تلك النرويجية الرشيقة نظرتي تجاه الأنثي ، و هو أن جمالها الحقيقي هو في ذكائها و ثقافتها و وعيها و إنسانيتها قبل كل شئ ..

التجربة الثالثة – إقتحام مجال السياسة و تحديدا ً إبان فترة إنتخابات الرئاسة و توهج نجم حزب الغد و رئيسه أيمن نور – فك الله أسره – فقبل هذه الفترة لم يكن لدي أدني إهتمام بالسياسة و كنت أعتبرها " ثقل دم " لكن بعدها بدأت ألتقي بأفكار كثيرة مختلفة و متباينة و متصارعة و أدرك المأساة الحقيقية التي نحياها و حجمها ، و أن التسلط و التجبر المفروض علينا سببه الأساسي الجهل ، لا الجهل التعليمي أو الثقافي فقط ، و انما الجهل الإخلاقي أيضا َ و كم تنتشي نفسي كلما سمعت عادل إمام يصرخ " إحنا في زمن المسخ " كتعبير عما آل حالنا إليه ، و هو ما يستلزم جهودا ً جهيدة من أجل العمل لإصلاح الوضع العجيب الذي نحن فيه و هو ما شكل في وجداني الوعي بأهمية أن تكون عندي رسالة في حياتي أسعي من أجلها .

أما ما هي فحوي الرسالة ؟ فحقيقة حتي الآن لم تتشكل أبعادها بعد . و أكيد أني في إنتظار تجارب جديدة ستُكمل يوما ً هذا البناء الذي أرنو إليه بشغف ٍ بالغ .

1/7/2007

ليست هناك تعليقات:

صاحب الشطحات

صورتي
باحث عن الحقيقة،حقيقتي،وحقيقة كل شئ،متناقض،ربما،ناقد لكل ما حولي،أكيد،أتطلع للسمو لكني ملتصق بالأرض.


المخزن


الشتم لغة العجزة